المحتويات

رواية أربيل ” حافظ على المدينة هذه الليلة فقط يا كاك مسعود “


Aug 17 2022
 رواية أربيل ” حافظ على المدينة هذه الليلة فقط يا كاك مسعود “
١.
في اليوم التالي من سقوط الموصل، ذهب السفير الإيراني إلى أربيل والتقى مع رئيس وزراء إقليم كردستان في ذلك الوقت السيد نيجيرفان بارزاني. الحاج قاسم سليماني في ذلك اليوم اوصل نفسه من إيران إلى بغداد مع الإمدادات اللازمة من القوات والتجهيزات بطلب من رئيس وزراء العراق. وطلب من السيد السفير أن يأتي إلى أربيل وان يعقد معنا جلسة لكي يحذرنا من خطر هجوم داعش. لأننا كنا نعتقد أن داعش لا تشكل خطراً علينا وكنا ننظر إليهم نظرة الجار الجديد. قال لنا السيد السفير إن أتخاذ مثل هذا الموقف غير مقبول بالنسبة لحكومة الإقليم وعلينا أن نسعى بأن لا تحدث أي مشكلة في بلد العراق. لأن هدف داعش كان بعد السيطرة على (الكواير) و(مخمور) هو السيطرة على أربيل. زوج ابنتي نيجيرفان قال أنهم لن يهاجموننا ابداً وهدفهم هو الانقلاب على نور المالكي. ومن طرف آخر لم نكن مستائين من أن تأتي حكومة جديدة للعمل لأن حكومة نور المالكي لم تكن تعطينا إلا القليل من الاهتمام. لم يكن هناك أي سبب لكي ندخل أنفسنا في مواجهة مع دولة جديدة. ومن وجهة نظرنا تبعاً للطريقة التي كانت تمشي عليها داعش أن دولة العراق الجديد ستكون هي. السيد السفير جادلنا بأن داعش سوف يهجمون علينا وحينها سوف نطلب منهم المساعدة للتصدي لداعش. وقد كرر هذه الجملة ثلاث مرات بصيغة سؤال وهي ( هل تعلمون ماذا سوف نفعل نحن في ذلك الوقت؟ ) نيجيرفان لم يكن لديه جواب لأنه اصلاً لم يتقبل جدال السيد السفير فجاوبهم السيد السفير بنفسه وقال ( سوف نساعدكم).
في تلك الأيام علمنا أن المسؤولين الإيرانيين في العراق قد خلعوا ملابسهم الدبلوماسية وكانوا يلعبون فقط دور المستشار لكي لا تنتشر تلك الخلية الفاسدة في جميع أنحاء العراق.
٢.
بعد ٤٥ يوم تقريباً، وصلت داعش إلى بوابة أربيل. جميع العوائل تركوا الإقليم.أهل المدينة منهم من كان يسعى للهرب إلى الجبل ومنهم من كان يسعى لبناء مأوىً. العدو كان يتقدم وكانت تأتي الأخبار سيئة من قوات البيشمركة. أربيل كانت على عتبة السقوط وسقوط أربيل يعني سقوط إقليم كردستان العراق بالكامل. بغداد لم تستطع أن تقدم لنا المساعدة. لأنهم كانوا مشغولون بالتصدي لداعش على جبهات أخرى من العراق. سقوط الموصل كانت ضربة موجعة وقاسية جداً لدولة العراق. طلبنا المساعدة من تركية، السعودية، إنكلترا وفرنسا لكنهم صفعوا صدورنا بيد الرفض. على خلاف مواقفهم السياسية في الجمعيات الدولية لم يكن قدرُنا اصلاً مهم لهم. حتى هذه اللحظة كأننا كما لو كنا ألعاب سياستهم والآن عندما احتجنا مساعدتهم لم نجد أي منهم بجانبنا. ومهما حاولنا أن نتصل بالامريكيين لم يُجيبوننا. جرحانا كانوا كثيرون وذخيرتنا أوشكت على النفاذ. كنا نحتاج إلى المساعدة. فقدت الأمل بسبب الوحدة. كل الأشخاص الذين كانوا يدّعون أنهم أصدقائنا ذهب كلٌّ منهم إلى عشه الآمن وتركونا وحيدون من دون سند وراء ظهورنا. حاولت مجدداً أن اتصل بالامريكيين. لأنني كنت مطمئناً بأن أمريكا لن تترك الأكراد وشأنهم وبعد خمس محاولات توفقت بالاتصال. ولكن كان لديهم حل وحيد: التفاوض مع داعش. كان اقتراحهم إمّا أن أعطي امتياز وأنهي الفوضى أو أن اشتري الوقت من داعش بحجة التفاوض لكي يستطيعون أن يطرح ا المسئلة في الكونغرس. وكان توجيههم بأنه يجب إجراء تحقيق دقيق في التدخل العسكري لقوات التحالف وهذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. طريقة الأمريكيين هي كذلك. ليس لديهم الكثير من المرونة ولا يتفاعلون بسرعة. عملهم هذا سيستغرق شهرين حد اقل. لم يكن هناك أوضح من ذلك يمكن أن يُلمِسونا إياه. كان قرار صعب بالنسبة لي لكن كان علي أن أعطي أمر بتخلية المدينة. لأن المقاومة كانت بلا فائدة. وإلا! بقي هناك حل وحيد فقط: طلب المساعدة من إيران. هم ساعدونا في الكثير من الأمور الحساسة كالقصف الكيماوي لمدينة حلبجة. لكن بأي وجه سوف اطلب المساعدة منهم؟. إيران كانت قد حذرتنا من قبل أن الاتفاق مع ابو بكر البغدادي لن يحقق أي نتيجة. لكن نحن لم نأخذ تحذيرها بعين الاعتبار وتصورنا أن داعش هي من سوف تحكم العراق في المستقبل. كان هناك احتمال أن يرفضوا طلبنا. ولكن لم نكن نملك سوا هذا الحل. أطلقت الرصاصة الأخيرة واتصلت بالمسؤولين الإيرانيين. هم عرّفوني على ممثلهم في المبارزة مع داعش: الحاج قاسم سليماني. كانت الساعة تقريباً العاشرة مساءاً عندما اتصلت به فقال لي سوف أُحضّر الذخيرة اللازمة وأرسلها لكم بأسرع وقت. قلت له الذخيرة فقط لا تكفي عليك أيضاً انت أن تأتي. قال لي سوف أأتي غداً بعد صلاة الصبح. لم يكن معلوم ماذا يمكن أن يحدث للمدينة وأهلها إلى يوم غد. قلت له غداً متأخر يا حاج. قال لي فقط هذه الليلة حافظ على المدينة يا كاك مسعود. ولكني أصرّيت عليه أن يأتي الآن حالاً. احتمال أن لا نستطيع أن نقاوم للصبح. قال لي توكل على الله.
كان الحاج قاسم أملي الأخير. على أمل وعده لي قررت أن أتراجع عن قراري بتخلية المدينة. ولكن إذا لم يوفِ بوعده فغداً لن يعود من المقدور تخلية المدينة وسيصبح قرار تخليتها مثل الدواء السحري بعد وفاة سهراب. والأهم من ذلك إذا بقي عند وعده ونفّذه لم يكن معلوماً إذا كان بإمكانه أن يعبر من دائرة محاصرة أربيل وان يلتحق بنا. هذه الإذا و الإمّا لم تتركني ارتاح. وصلت إلى مكان مسدود. أنا مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق بأكمله وصلت إلى هذه المرحلة فما حال أهل المدينة إذاً؟ كانت تلك الليلة من أصعب ليالي حياتي. إذا لم يأتي الصباح.
٣.
الذخيرة وصلت عند الساعة الرابعة فجراً وعند اول الصباح أخبرونا بأن الإيرانيين قد وصلوا أيضاً. أفعمت بالأمل مجدداً. لكن عندما ذهبت لاستقبالهم ورأيت الحاج قاسم قد أتى مع القليل من القوات كل أملي تحول إلى يأس. قلت لنفسي بماذا كان يفكر الحاج قاسم عندما أتى فقط مع ٥٠ شخص من القوات إلى داخل مدينتنا المحاصرة؟ كيف يمكن أن نقاتل داعش فقط ب ٥٠ شخص؟ وكما وصل إلينا بالتقرير أن تسعون الف جندي عراقي غادروا ساحة المعركة في غضون ٢٤ ساعة فقط، ولهذا السبب تمكنت داعش من التقدم بسرعة كبيرة ووصلت إلى مسافة خمسة عشر كيلو متراً من أربيل.
الحاج قاسم مباشرة تقدم بالقوات إلى خط الجبهة. ورسم لهم خريطة العمليات. وجمع قوات البيشمركة ووجهم جميعاً. في غضون ٤٨ ساعة انقلبت الموازين وكسر الحصار. على طول مدة تواجد داعش كانت هي المرة الأولى التي يخسرون فيها من جميع الجوانب. الحاج قاسم بعد أن نجّى أربيل من السقوط ترك عدداً من القوات من أجل المشاوره في أربيل وذهب هو إلى كربلاء.
عندما انتشر خبر كسر الحصار على جميع القبضات أوصلت بنفسي إلى خط الجبهة. وهل من المعقول أن تكسر المحاصرة في غضون يومين فقط؟ وهل من المعقول أن تجبر داعش على التراجع مع كل هذه التجهيزات؟ وهل من المعقول أن ننتصر من دون مساعدة أمريكا والسعودية؟ لو كنت لم أسمع كلام ذلك الأسير الداعشي بأُذُناي لم أكن أن أصدق ذلك. عندما سألته كانت أربيل تحت محاصرتكم و كان من الممكن مع القليل من الضغط أن تسيطروا عليها. فماذا حدث حتى أجبرتم على التراجع؟
قال لي بأن الجواسيس أخبرونا بأن قاسم سليماني قد أتى إلى أربيل. بالبداية لم نصدق أن شخص مثله يمكن أن يدخل نفسه وسط حرب دماء ونار. حتى رصدوه مراقبونا ورأوه على خط الجبهة الأول. عندما بدأ خبر تواجده يتنقل من لسان إلى لسان فقدنا حماسنا.
بعد ذلك كله بدأت أفكر بيني وبين نفسي ماذا كان يملك الحاج قاسم لا نملكه نحن؟ مهما كان الأمر فهو شيء يتجاوز الهيمنة العسكرية وقوة القائد. يمكن أن يكون ذلك الأمر الذي أوصاني به عندما تكلمت معه تلفونياً.. التوكل على الله.
زينب خزائي
4


لا توجد تعليقات لهذا المنصب.

الرأي

إرسال تعليق لهذا المقال