المحتويات

” كيف غيّر الشهيد قاسم سليماني مسار التاريخ؟ ”


Jan 18 2025
” كيف غيّر الشهيد قاسم سليماني مسار التاريخ؟ ”
«من المقرر أن نستعمر 7 دول خلال 5 سنوات، وأول دولة ستكون العراق وآخرها إيران؛ سألته: هل هذه الوثيقة سرية؟ قال: نعم!»
تبدأ قصة القائد سليماني في المنطقة من هذه النقطة من مذكرات الجنرال الأمريكي «ويسلي كلارك»، حيث كان الرئيس جورج دبليو بوش قد وصف إيران بأنها محور الشر، فأسس القائد الإيراني الأعلى نظامًا تم وصفه لأول مرة من قبل صحيفة ليبية بأنه «محور المقاومة».

إن التجربة الناجحة لأمريكا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بداية التسعينات في شرق أوروبا التي أدت إلى تفكك يوغوسلافيا، ألهمت الكثيرين متابعة هذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وبهذه الطريقة ابتدأت الألفية الثالثة بسعي إلى (البلقنة) لغرب آسيا واستهداف تفكيك دول المنطقة بهدف تعزيز مكانة إسرائيل في غرب آسيا مما أوجد أساسًا لشراكة خاصة بين الغرب وإسرائيل.

في الذكرى الثلاثين للأحداث التي تلت هجمات 11 سبتمبر، تحدث الجنرال «ويسلي كلارك»، وهو عسكري أمريكي بارز وقائد سابق لقوات الناتو عن ذكرياته كاشفًا أن أمريكا كانت تخطط منذ الأيام الأولى لتلك الحادثة للهجوم على 7 دول من بينها إيران.

قال هذا العسكري الأمريكي عن هذا الإفشاء: «أحد الجنرالات اتصل بي وقال يجب أن نتحدث معًا. أخبرني أنهم اتخذوا قرارًا ويريدون الذهاب إلى الحرب مع العراق. سألت: لماذا الحرب مع العراق؟ قال لا يعرف بل أضاف أنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. سألت: هل توصلوا إلى معلومات تشير إلى وجود صلة بين صدام والقاعدة؟ قال: لا، لا توجد معلومات جديدة لقد قرروا الذهاب إلى الحرب مع العراق. بعد عدة أسابيع عدت إلى البنتاغون لأراه مرة أخرى. في ذلك الوقت، كنا نقصف أفغانستان. سألت: هل لا زلنا نخطط للهجوم على العراق؟ قال: الوضع أسوأ من ذلك أخذ من مكتبه ورقة وقال: لقد أحضرتها من غرفة وزير الدفاع، وهذه وثيقة توضح كيف سنحتل 7 دول في 5 سنوات، وأولها العراق وبعدها سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وأخيرًا إيران؛ سألت: هل هذه الوثيقة سرية؟ قال: نعم!»

الجنرال الإيراني الذي يصيغ نظام المنطقة
تعيين الشهيد قاسم سليماني قائدًا لقوة القدس في الحرس الثوري تزامن مع السنوات الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح النظام الدولي أحادي القطب وظهرت الهيمنة الأمريكية. في هذا السياق تحدث الرئيس الأمريكي جورج هربرت ووكر بوش عن إنشاء «نظام عالمي جديد». وقد خلق الانتصار السريع للقوات المسلحة الأمريكية في الحرب الخليجية الأولى وعمليات «عاصفة الصحراء» صورة قوية لهيبة الولايات المتحدة في الأذهان والقلوب.

خلال هذين العقدين الحاسمين أسس اللواء سليماني شبكة المقاومة ليس فقط ليقوم بإنشاء الجبهة المعارضة للهيمنة الأمريكية في المنطقة، بل عمّر نظامًا جديدًا غيّر مصير الشرق الأوسط إلى الأبد.

كيف تمكن الشهيد قاسم سليماني من تشكيل محور المقاومة من خلال العلاقات الدولية؟
تمكن الشهيد قاسم سليماني ولأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة من تشكيل محور مقاومة يتكون من مجموعات "شبه الحكومية" كطرف داعم و قوة رديفة. كما أنه ربط المصالح الوطنية الإيرانية مع حركة المقاومة ودمج السياسة الواقعية مع موضوع الهوية والهدف المشترك، مما جعله يتمتع بخصوصية تاريخية في دراسات العلاقات الدولية.

جندي إيران قائد عالمي
كتب مركز مكافحة الإرهاب: " أكدت إيران في السنوات الأخيرة على قدرتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن. واحدة من مفاتيح نجاحها كانت استراتيجية فريدة تجمع بين القوة العسكرية والمدنية، التي تم استنباطها جزئيًا من نموذج حزب الله اللبناني وكان الناظم الرئيسي لهذه السياسة هو اللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس الإيرانية."

الجنرال الأمريكي ستانلي مكريستال الذي كان عسكريًا بارزًا في أفغانستان والعراق وقاد الحرب ضد القاعدة، كتب في مجلة "فارن بوليسي" حول الشهيد سليماني: "سليماني هو استراتيجي مدبر وقد أنشأ علاقات دائمة لتعزيز وضع إيران في المنطقة تحت قيادته، وقد وسعت قوة القدس قدراتها بشكل كبير و حولت براغماتيته الذكية هذه الوحدة إلى قوة مؤثرة خارج حدود إيران."

ويتابع هذا الجنرال الأمريكي ذو الأربعة نجوم: "ومع ذلك فإن دراسة نجاح سليماني دون وضعه في سياق جيوسياسي أوسع سيكون غير حكيم. إنه قائد إيراني فريد من نوعه وهو نتاج واضح لرؤية البلاد بعد الثورة عام 1979. تقييمه الواسع للمصالح الإيرانية يتماشى مع النخب الإيرانية. وأهم من ذلك تقوده وطنية متقدة تمثل الحياة لمواطني إيران."

قيادة قوة القدس
في غرب آسيا يرتبط اسم إسرائيل واللواء سليماني دائمًا في سياق تاريخي مستمر. على الأقل منذ عام 2001 عندما تم اتخاذ القرار النهائي من قبل الولايات المتحدة بخصوص مستقبل المنطقة وإقامة إسرائيل الكبرى. إنها معركة من أجل مستقبل المنطقة.

منذ تأسيسها على يد القائد سليماني بادرت جبهة المقاومة إلى مهامها التاريخية تجاه فلسطين، والتي تمثل هذه المعركة المصيرية.إن احتلال أفغانستان والعراق بذريعة أحداث 11 سبتمبر وتجمع مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين مع توفر غير مسبوق من الأسلحة في المنطقة، أتاح فرصة ذهبية للنظام الصهيوني لتنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية.

بداية هزيمة إسرائيل
بدأت انتصارات حزب الله اللبناني ضد الجيش الإسرائيلي منذ عام 2000، أي في أول عامين من قيادة القائد سليماني لقوة القدس في الحرس الثوري. لقد بدأت الحرب التي استمرت 33 يومًا في عام 2006 في سياق اتضحت فيه نية النظام الصهيوني لتغيير المنطقة وتدمير المقاومة، بدعم من الاحتلال في العراق وأفغانستان من قبل الولايات المتحدة.
تصريح كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك خلال الحرب التي استمرت 33 يومًا في عام 2006 كان إشارة إلى هذه الخطة، حيث قالت: "ما نراه هنا هو 'آلام المخاض' لشرق أوسط جديد وأي شيء نقوم به  يجب أن نتأكد أننا نتجه نحو الشرق الأوسط الجديد وليس العودة إلى القديم."

المشروع الذي واجهته المقاومة بنضال القادة الكبار
ومع ذلك واجه هذا المشروع حاجز منيع  تمثل في اثنين من قادة المقاومة. فقد فرض القائد سلیماني والسيد حسن نصرالله في غرفة عمليات المقاومة أول هزيمة رسمية عسكرية على نظام الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948.

الحصار من سبع جبهات
"لأول مرة منذ عام 1948، تواجه إسرائيل سبع جبهات للقتال تم تصميمها من قبل الإيرانيين: لبنان، سوريا، العراق، إيران، الضفة الغربية (يهودا والسامرة)، غزة، والحوثيين في اليمن." هذا ما يقوله العقيد جاك نيريا، مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.

يؤكد هذا المسؤول الإسرائيلي: "إن تعدد وحدات الجبهات هو لخلق ضغط على إسرائيل، وهي الرؤية الاستراتيجية لـ 'حلقة النار' التي وضعها قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، والتي لم تُعتبر جادة في البداية، ولكنها اليوم تظهر كائتلاف موحد يهدف إلى إطلاق حرب استنزاف وسحب إسرائيل إلى حرب لا نهاية لها، لا يمكنها الاستمرار فيها على المدى الطويل من الناحية العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية."

بعد توليه قيادة قوة القدس، بدأ الشهيد سليماني بسرعة فتح ملفات المقاومة الفلسطينية واللبنانية. ففي عام 1999 نظم القائد قاسم سليماني زيارة الشيخ أحمد ياسين إلى إيران حيث كان تركيزه منصبًّا على كيفية تعزيز قدرات المقاومة ودخول مرحلة التحرير.

سليماني والانتفاضة
في سبتمبر عام 2000 اقتحم آرييل شارون المسجد الأقصى. عندها تم الاتفاق على تشكيل لجنة عمل بين الحرس الثوري، والفصائل الفلسطينية واللبنانية بقيادة القائد سليماني بهدف تطوير الانتفاضة.
يقول أسامة حمدان أحد الأعضاء البارزين في حماس: "عقدت اجتماعات منذ اليوم الأول مركزة على كيفية التعاطي مع هذه الانتفاضة كمشروع استراتيجي في مواجهة الاحتلال. كانت هناك اجتماعات أسبوعية كان الجنرال سليماني دائمًا يشارك فيها ويسمع للأفكار، ولم يتم طرح فكرة إلا وقام بتوسيع نطاقها."

عمل الشهيد سليماني بشكل مكثف على خطة نقل الأسلحة إلى غزة واستخدم مجموعة متنوعة من الوسائل لذلك. ويقول حمدان: "لم يتوانَ الحاج قاسم عن تقديم السلاح لأي فصيل فلسطيني بحاجة إلى السلاح للمقاومة."
حتى اغتيال الشيخ أحمد ياسين على يد إسرائيل وياسر عرفات في عام 2004 لم تتوقف الانتفاضة، حيث طرح هذا النقاش في النظام الصهيوني حول كيفية إخماد الانتفاضة. في 25 أغسطس 2005 تم تحرير غزة وانسحبت إسرائيل منها بشكل أحادي. وحتى ذلك الحين قُتل مئات من جنود "إسرائيل" وفر المستوطنون من قطاع غزة. كانت "إسرائيل" تعتقد أنها تتخلص من غزة لكنها لم تتوقع كيف سيفتح انسحابهم الطريق للتنسيق وتطوير المقاومة.

قائد في غزة وجغرافيتها
في الذكرى العاشرة لاستشهاد عماد مغنية، قال القائد سليماني: "قد تحولت غزة ولبنان إلى 'نقطة توتر دائمة' بالنسبة لإسرائيل، وستتوسع جبهة المقاومة أكثر". لقد تناسق عمل قوة القدس مع جميع فصائل المقاومة الفلسطينية من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان ذلك جزءًا من الاستراتيجية التي قادها الشهيد سليماني في الملف الفلسطيني.

خلال مقابلة في ديسمبر 2021، قال زياد النخالة الأمين العام للجهاد الإسلامي الفلسطيني عن القائد سليماني: "لم يحدث شيء في غزة دون توجيهات ومراقبة مباشرة من القائد سليماني." يمكنني أن أقول إن الصواريخ التي سلمها إلى قطاع غزة هي نفسها التي استخدمت في الهجوم على تل أبيب. لقد كان للحاج قاسم دور أساسي في دفع الفلسطينيين لشن هجمات على عاصمة النظام الصهيوني.

في هذا السياق، كتبت "تايمز إسرائيل": "بفضل جهود سليماني لتأمين الصواريخ والتسليح الحديث استخدم الفلسطينيون هذه الأسلحة لمهاجمة إسرائيل. وفي حرب الـ8 أيام والـ22 يومًا في غزة كانت المهمة الكبرى لقائد القدس هي إيصال الأسلحة إلى الفلسطينيين وكسر الحصار التسليحي على غزة."

الأمين العام للجهاد الإسلامي في حوار مع الميادين
أكد الأمين العام للجهاد الإسلامي في حديثه مع شبكة الميادين أن القائد سليماني لم يكتفِ بنقل الأسلحة إلى قطاع غزة المحاصر، بل تم اتخاذ قرار تحت إشرافه لتطوير قدرة غزة على تصنيع الأسلحة بما في ذلك قدرتها الصاروخية.

هزيمة داعش في سورية
تصريح دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016 بأن "داعش أسستها أمريكا وإدارة أوباما" يكشف عن مخطط كبير في المنطقة، حيث كانت هذه الجماعة الإرهابية تُصوَّر كأداة لتفتيت الدول المعادية لإسرائيل. 
في غضون ثلاث سنوات، تمت هزيمة هذا المشروع الكبير في العراق وسورية على يد القائد سليماني وجنوده. وقد كتبت مجلة "نيويورك" في هذا الصدد أن القائد سليماني كان يقود الآلاف من قوات الدفاع الوطنية السورية وقوات القدس، وزينبيون، وفاطميون، وبدريون، والحشد الشعبي في جميع أنحاء سوريا. وفي هذا السياق أوضح جون مگوائر، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن تخطيط واستعادة منطقة القصير في مايو 2013 من القوات السلفية الجهادية كان من تنظيم القائد سليماني شخصياً.

الحدود مع إسرائيل!
قبل خمس سنوات، كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير لها أن يوسي كوهين، الرئيس السابق للموساد، قال خلال حديثه مع قادة المنظمات الاستخباراتية الأوروبية في مؤتمر ميونيخ إن إيران نجحت في إنشاء هلال شيعي. ورغم أنه قد لا يعكس المعنى الديني الكلاسيكي إلا أنه يتيح انتقال شاحنة محملة بالصواريخ أو سلاح ذكي آخر من طهران إلى سواحل لبنان. ووفقاً لكوهين فإن الشخص المسؤول عن تنفيذ هذه الرؤية هو قاسم سليماني.

وأكد كوهين أن الهدف الرئيسي لجهازه كان إخراج إيران من الشرق الأوسط. وأخبر كوهين زملاءه أن "إيران التي تبعد 1500 كيلومتر عن إسرائيل تمكنت من إنشاء حدود فعلية مع إسرائيل بينما لا تمتلك إسرائيل أي حدود مع إيران جغرافيا، وذلك من خلال لبنان والآن أيضاً عبر سوريا، يمكنهم تنفيذ عمليات مباشرة ضد المجتمعات الإسرائيلية والأهداف الاستراتيجية داخل إسرائيل. هذا تهديد استراتيجي خطير جداً تواجهه إسرائيل".

كما تحدث تامير باردو الرئيس السابق لجهاز الموساد عن قائد الحرس الثوري مؤكداً لموقع "واينت" إيران دولة منظمة وتعاني من البيروقراطية والصراعات السياسية، ومن النادر جدًا أن نرى شخصًا يبقى في منصب مهم في السلطة لفترة طويلة ويكتسب المزيد من الترفيعات بدلاً من إزاحته.

إرث سليماني في منطقة مليئة بالفوضى
بدورها أشارت صحيفة "أوريان" الفرنسية في ديسمبر 2018 إلى أنه "من الإمبراطورية الأخمينية إلى الجمهورية الإسلامية، بعد غياب طويل جداً تعيد إيران عبر استقرارها في البحر الأبيض المتوسط إحياء تاريخ عريق جداً و هذا هو إرث القائد سليماني لإيران في منطقة تعاني من الفوضى."


لا توجد تعليقات لهذا المنصب.

الرأي

إرسال تعليق لهذا المقال