أنا وجدي، كنا نقف على مرتفعات خارج القرية، أغلق إبهامه إلى يده وبدأ يحرك أصابعه الأربعة في الهواء و قال : ” كل ما أملك هي أربعة أجزاء”
الأسبوع الماضي اتصل على أبي، قال أنه يريد أن يرى حفيده قبل أن يموت. رأيت وجهه من بين أصابعه المفتوحة لم يكن لديه أي شبه مع الناس الموشكة على الموت ولكن كان من الواضح أنه غسل يده من هذه الدنيا ويريد أن يوضح مهمة تبعياته الفرعية.
كان قد وضع يده اليسرى على حلق قبضة البندقية الخشبية الموجودة على التراب. إذا كنت تنظر من بعيد مثلاَ من فوق سطح مسجد يبدو الأمر لك كصديقين تذوقا معاً برودة وحرارة الماضي ووضع كل منهم يده على رقبة الآخر. أشار بإتجاه المقبرة؛ “من ذيل برج الكهرباء هذا إلى…” رسم خطاً أفقياً على الهواء؛ “إلى ذلك الكوخ المدمر، كاف آباده، إنها لي”. ضرب القبضة مرتين على الأرض، كأن رفيقه أيّده؛ “ها! إنه على حق، إنها لنا”.
أدار رأسه باتجاه القرية؛ “هل ترا ذلك البيت، الذي جذوع أشجار نخيله هي الأطول؟ ”
واحدة أو اثنتان من أشجار النخيل القصيرة تزحف خلف جدار كل منزل. لم تكن البيوت ريفية للغاية مقارنة بالقرى المجاورة وبين الطرق. كأنهم جميعهم تم بنائهم بالطوب والإسمنت في السبعينات او الثمانينات. ذلك المكان الذي أشار إليه كان منزله وحقاً كانت أشجار النخيل فيه أكثر نضجا.
“منزلنا له اسم. ألف آباده؛ كتبت لك ذلك في وصيتي لكن عليك انت أن تتذكرها”.
كنت أعلم أن هذه كانت طريقته المهذبه لإخباره أن لا أحد يعرف موعد موته والتدخل في عمل الله ليس بشيئ جيد وأردفت جملاً من هذا القبيل.
رداً على ذلك، رفع البندقية بيد واحدة ورماها نحوي. أمسكت بها قبل أن تصل إلى الأرض. البندقية التي كانت معلقة على مسمار طويل على الحائط الكبير في غرفة الضيوف و دائماً تحدّق بنا كحارس جاد، وكان لمسها بمثابة المشي على المريخ، الآن أصبحت بين يداي باردة وبنفس المكانة والاعتبار الذي توقعته.
هذه تكون السين، سين. أقدم رفاقي. ٢٥ سنة لم تخرج من حلقها أي رصاصة ولكن كان يجب أن تكون على استعداد دائما.
“ثقيلة”
انفصلت الخطوط التي بين حاجبيه: ” خذها دع يدك تتعود عليها أيها الولد المتمدن”
قلت له في مدينة أخرى لا أحد يستفيد من هذه الأشياء. أساساً الحياة هناك آمنة خاصة في مدينة مثل طهران لا أحد يحتاج إلى سلاح.
قال :” السين رائحة ماذا تعطي؟”
إستنشقت .”رائحة خشب قديم وحديد”
ضحك بذلك الصوت الذي بدا وكأنه كان عالقاً بحلقه من عدة قرون. أخذ مني البندقية ووضعها على الأرض. جلس بجانبها مقرفصاً على ركبتيه. وقال لي :”اجلس انت أيضاً”. جلست. شد معصم يدي نحوه ووضع خاتمه على كف يدي؛ اهتز جسمي عندما لامسني جلد يده ذاك المتشقق والجاف؛ ” هذا من ميم، بالتأكيد تريد أن تقول أن هذا يعطي رائحة الفضة”.
انعكست واجهة الشمس على العقيق الأحمر ميم. فضاقت عيناي.
“لأنك بقيت كثيراً في طهران فكل شيء بالنسبة لك يعطي رائحة المعدن أليس كذلك؟”
أيّدت كلامه بابتسامة وهزة رأس.
قال:” انت تعلم أنني في شبابي سلكت طريقا خاطئا. بالتأكيد قال لك ذلك أباك”.
لا لم أسمع شيئاً. حدّق بوجهي بعينيه المظلمتين من تحت ظلال حاجبيه الكثيفين. كأنه أراد أن يسأل “انت متأكد أنه لم يتحدث لك أحد عن ذلك؟ ” حينها بدأ بالتعريف والسرد حتى اتضحت لي قصة العلاقة بين الحروف وأشياء أخرى؛
” انا ونصف أهل هذه القرية كنا متمردين. كنا ننهب من الناس. علّمونا أنه يجب علينا أن نقاتل من أجل لقمة الخبز وقاتلنا. قتلنا بعض الناس. بين هذا الزحام ظهر شاب مسلم وأخذ بيدنا. بفضله وبركته ٢٥ عام لم نضع أية لقمة حرام على سفرتنا أبداً. الآن أصبحت مرتاح البال لأنني أبعدت مالي ورزقي عن موضع الشبهة والشك والحرام. بقي لدي فقط هذه الأربعة أجزاء التي قلتها لك.” جمع الحصى الصغيرة الموجودة في التراب من تحت يده ورماها بعيداً عنه، كأنه أراد أن ينظف التراب أمام قدمه مثلما ينظفون العدس والأرز. “الكثير منهم مات في طريق الغلط ذاك. كانوا أصدقاء طفولتنا وأبناء عمومنا. أراد الله لنا أن ننصلح ونصبح صالحين. الذين بقوا كان عليهم أن يسلّموا أسلحتهم. أما بندقيتي كانت ذكرى فطلبت منه أن يبقيها معي أحتفظ بها. فوافق. حماه الله أينما كان”.
كنت أنتظر أن يوضح لي أكثر عن أصل الضمير (ش). ولكن لا يصح أن أقاطع كلامه.
“جاء وجلس مقابلي.على رأس سفرتنا. أخذ من خبزنا قطعة ووضعها في فمه. وقال لي الآن ارتاح عقلي أعرف أنك بعد الآن لن تستخدم سلاحك لقتل نفسك. هو أكل من خبزنا. وانا أصبحت مديونا له. أعطاني هذا الخاتم ذكرى منه. احفظه جيداً مثل روحك يا قاسم! هؤلاء عزيزين علي كثيراً. كاف آباد(ك) و ألف (ا) آباد أوصلت صدقته الينا. قدمنا الوقاحة واشترينا ماء الوجه، قدمنا تاريخاً سيئاً حصلنا على الشرف. في أي مكان بالعالم يقومون بمثل هذه الصفقات؟ ”
الضمير يعود إلى رجل اسمه مثل اسمي. ينادونه بلهجتهم (كاسُم). عندما يُسمع اسمه في القرية يرسلون الصلوات من أجل سلامته. طبعوا صورته الأخيرة مع أهالي القرية على لافتة كبيرة ووضعوها على مدخل القرية. كان جدي أيضاً موجوداً في تلك الصورة. أسفل حرف (ج) تقريبا؛ فخر الخط الكرماني؛ زعيم الإسلام العظيم الحاج قاسم سليماني. كانت نفس هذه الصورة تماماً مع نفس الكتابة ولكن أصغر قليلاً معلقة على حائط منزله.
فجر اليوم الثالث عشر من شهر دي عام ١٣٩٨،جدي فارق الحياة. كان لساعة ويوم موته معنى أيضاً مثل كل الأشياء التي بقيت لنا منه. كنت انا بجانبه في اللحظة الأخيرة؛ نظر الي،وضع ابهامه فی راحة يده ولوح بأصابعه الأربعة أمام عيناي.
سميره علي أصغري
الأسبوع الماضي اتصل على أبي، قال أنه يريد أن يرى حفيده قبل أن يموت. رأيت وجهه من بين أصابعه المفتوحة لم يكن لديه أي شبه مع الناس الموشكة على الموت ولكن كان من الواضح أنه غسل يده من هذه الدنيا ويريد أن يوضح مهمة تبعياته الفرعية.
كان قد وضع يده اليسرى على حلق قبضة البندقية الخشبية الموجودة على التراب. إذا كنت تنظر من بعيد مثلاَ من فوق سطح مسجد يبدو الأمر لك كصديقين تذوقا معاً برودة وحرارة الماضي ووضع كل منهم يده على رقبة الآخر. أشار بإتجاه المقبرة؛ “من ذيل برج الكهرباء هذا إلى…” رسم خطاً أفقياً على الهواء؛ “إلى ذلك الكوخ المدمر، كاف آباده، إنها لي”. ضرب القبضة مرتين على الأرض، كأن رفيقه أيّده؛ “ها! إنه على حق، إنها لنا”.
أدار رأسه باتجاه القرية؛ “هل ترا ذلك البيت، الذي جذوع أشجار نخيله هي الأطول؟ ”
واحدة أو اثنتان من أشجار النخيل القصيرة تزحف خلف جدار كل منزل. لم تكن البيوت ريفية للغاية مقارنة بالقرى المجاورة وبين الطرق. كأنهم جميعهم تم بنائهم بالطوب والإسمنت في السبعينات او الثمانينات. ذلك المكان الذي أشار إليه كان منزله وحقاً كانت أشجار النخيل فيه أكثر نضجا.
“منزلنا له اسم. ألف آباده؛ كتبت لك ذلك في وصيتي لكن عليك انت أن تتذكرها”.
كنت أعلم أن هذه كانت طريقته المهذبه لإخباره أن لا أحد يعرف موعد موته والتدخل في عمل الله ليس بشيئ جيد وأردفت جملاً من هذا القبيل.
رداً على ذلك، رفع البندقية بيد واحدة ورماها نحوي. أمسكت بها قبل أن تصل إلى الأرض. البندقية التي كانت معلقة على مسمار طويل على الحائط الكبير في غرفة الضيوف و دائماً تحدّق بنا كحارس جاد، وكان لمسها بمثابة المشي على المريخ، الآن أصبحت بين يداي باردة وبنفس المكانة والاعتبار الذي توقعته.
هذه تكون السين، سين. أقدم رفاقي. ٢٥ سنة لم تخرج من حلقها أي رصاصة ولكن كان يجب أن تكون على استعداد دائما.
“ثقيلة”
انفصلت الخطوط التي بين حاجبيه: ” خذها دع يدك تتعود عليها أيها الولد المتمدن”
قلت له في مدينة أخرى لا أحد يستفيد من هذه الأشياء. أساساً الحياة هناك آمنة خاصة في مدينة مثل طهران لا أحد يحتاج إلى سلاح.
قال :” السين رائحة ماذا تعطي؟”
إستنشقت .”رائحة خشب قديم وحديد”
ضحك بذلك الصوت الذي بدا وكأنه كان عالقاً بحلقه من عدة قرون. أخذ مني البندقية ووضعها على الأرض. جلس بجانبها مقرفصاً على ركبتيه. وقال لي :”اجلس انت أيضاً”. جلست. شد معصم يدي نحوه ووضع خاتمه على كف يدي؛ اهتز جسمي عندما لامسني جلد يده ذاك المتشقق والجاف؛ ” هذا من ميم، بالتأكيد تريد أن تقول أن هذا يعطي رائحة الفضة”.
انعكست واجهة الشمس على العقيق الأحمر ميم. فضاقت عيناي.
“لأنك بقيت كثيراً في طهران فكل شيء بالنسبة لك يعطي رائحة المعدن أليس كذلك؟”
أيّدت كلامه بابتسامة وهزة رأس.
قال:” انت تعلم أنني في شبابي سلكت طريقا خاطئا. بالتأكيد قال لك ذلك أباك”.
لا لم أسمع شيئاً. حدّق بوجهي بعينيه المظلمتين من تحت ظلال حاجبيه الكثيفين. كأنه أراد أن يسأل “انت متأكد أنه لم يتحدث لك أحد عن ذلك؟ ” حينها بدأ بالتعريف والسرد حتى اتضحت لي قصة العلاقة بين الحروف وأشياء أخرى؛
” انا ونصف أهل هذه القرية كنا متمردين. كنا ننهب من الناس. علّمونا أنه يجب علينا أن نقاتل من أجل لقمة الخبز وقاتلنا. قتلنا بعض الناس. بين هذا الزحام ظهر شاب مسلم وأخذ بيدنا. بفضله وبركته ٢٥ عام لم نضع أية لقمة حرام على سفرتنا أبداً. الآن أصبحت مرتاح البال لأنني أبعدت مالي ورزقي عن موضع الشبهة والشك والحرام. بقي لدي فقط هذه الأربعة أجزاء التي قلتها لك.” جمع الحصى الصغيرة الموجودة في التراب من تحت يده ورماها بعيداً عنه، كأنه أراد أن ينظف التراب أمام قدمه مثلما ينظفون العدس والأرز. “الكثير منهم مات في طريق الغلط ذاك. كانوا أصدقاء طفولتنا وأبناء عمومنا. أراد الله لنا أن ننصلح ونصبح صالحين. الذين بقوا كان عليهم أن يسلّموا أسلحتهم. أما بندقيتي كانت ذكرى فطلبت منه أن يبقيها معي أحتفظ بها. فوافق. حماه الله أينما كان”.
كنت أنتظر أن يوضح لي أكثر عن أصل الضمير (ش). ولكن لا يصح أن أقاطع كلامه.
“جاء وجلس مقابلي.على رأس سفرتنا. أخذ من خبزنا قطعة ووضعها في فمه. وقال لي الآن ارتاح عقلي أعرف أنك بعد الآن لن تستخدم سلاحك لقتل نفسك. هو أكل من خبزنا. وانا أصبحت مديونا له. أعطاني هذا الخاتم ذكرى منه. احفظه جيداً مثل روحك يا قاسم! هؤلاء عزيزين علي كثيراً. كاف آباد(ك) و ألف (ا) آباد أوصلت صدقته الينا. قدمنا الوقاحة واشترينا ماء الوجه، قدمنا تاريخاً سيئاً حصلنا على الشرف. في أي مكان بالعالم يقومون بمثل هذه الصفقات؟ ”
الضمير يعود إلى رجل اسمه مثل اسمي. ينادونه بلهجتهم (كاسُم). عندما يُسمع اسمه في القرية يرسلون الصلوات من أجل سلامته. طبعوا صورته الأخيرة مع أهالي القرية على لافتة كبيرة ووضعوها على مدخل القرية. كان جدي أيضاً موجوداً في تلك الصورة. أسفل حرف (ج) تقريبا؛ فخر الخط الكرماني؛ زعيم الإسلام العظيم الحاج قاسم سليماني. كانت نفس هذه الصورة تماماً مع نفس الكتابة ولكن أصغر قليلاً معلقة على حائط منزله.
فجر اليوم الثالث عشر من شهر دي عام ١٣٩٨،جدي فارق الحياة. كان لساعة ويوم موته معنى أيضاً مثل كل الأشياء التي بقيت لنا منه. كنت انا بجانبه في اللحظة الأخيرة؛ نظر الي،وضع ابهامه فی راحة يده ولوح بأصابعه الأربعة أمام عيناي.
سميره علي أصغري
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال