مرتفعات هضبة الجولان هي منطقة جبلية تقع في أقصى جنوب غرب سورية وحالياً تخضع للإحتلال الإسرائيلي، وتسميها بعض الدول الجولان المحتل. مع بداية الأزمة السورية في عام 2011 سعت إسرائيل إلى توظيف مخططها الذي تم إيجاده لتحقيق أهدافها الخاصة فيما يتعلق بالجار الشمالي. وتعتبر مرتفعات الجولان مهمة للغاية بالنسبة لإسرائيل. بشكل عام تسمى المناطق التي تقع في المرتفعات بمناطق سوق الجيش أو المناطق الإستراتيجية، لأن هذه المناطق تتفوق على المناطق المحيطة بها بسبب ارتفاعها ويمكنها مراقبة جميع التحركات. وعليه فإن الجولان لها أهمية إستراتيجية كبيرة لأنها تطل على ثلاث نقاط أساسية وهي العاصمة والداخل السوري وشمال فلسطين المحتلة ومناطق لبنانية.
الأهمية الإستراتيجية للجولان
إن منطقة “جبل الشيخ” في الجولان المحتل وقربه من خط الفصل والتي يصل ارتفاعها إلى 2800 متر ، تمنح النظام الصهيوني مكانة ممتازة في مراقبة التحركات العسكرية لسورية ومراقبة الأراضي المحتلة، ومناطقها الطبيعة الجغرافية تعد عقبة طبيعية أمام أي تحرك عسكري سوري.
تعتبر منطقة الجولان أهم مصدر للمياه العذبة للأراضي المحتلة، لأن أمطار مرتفعات الجولان تغذي نهر الأردن الذي يصب في بحيرة طبريا، ويقال أن مياه هذه المنطقة توفر 70٪ من احتياجات المياه العذبة في الأراضي المحتلة. قضية استراتيجية أخرى لمرتفعات الجولان وهي قربها من العاصمة السورية. تبعد دمشق نحو 50 كيلومتراً عن مرتفعات الجولان وقد استخدمت المدفعية السورية لاستهداف شمال الأراضي المحتلة من هناك بين عامي 1948 و 1967. دفعت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الجولان المحتل في سورية رئيس الوزراء السابق للنظام الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى استغلال الأزمة السورية منذ عام 2011 لمطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بسيادة إسرائيل (النظام الصهيوني) على هضبة الجولان.
الإجراءات بين إسرائيل وسورية
احتلت إسرائيل جزءًا كبيرًا من مرتفعات الجولان خلال حرب الأيام الستة عام 1967. في عام 1973 خلال حرب يوم الغفران حاولت سورية استعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل. لكن القوات الإسرائيلية قامت بحماية هذه المنطقة رغم الخسائر الفادحة وصعوبة التصدي.
في 31 مايو 1974 أعلن مجلس الأمن الدولي عن القرار رقم 350 وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسورية ومنذ ذلك الحين، كانت عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة موجودة في مرتفعات الجولان كقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة وحافظت على وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل. يتمركز حوالي 900 عنصر من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هذه المرتفعات. طبعاً وفقاً لاتفاقية عام 1974 بين إسرائيل وسورية بشأن وجود قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان لا يُسمح بوجود أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذه المهمات. كما تم إنشاء حدود افتراضية جديدة بهدف منع الصراع بين إسرائيل وسورية، والتي ظلت قائمة حتى اليوم.
أعلنت إسرائيل أن هذه المناطق هي جزء من أراضيها في عام 1982. لم تتم الموافقة على هذا الإجراء من قبل الأمم المتحدة. ومع ذلك في مايو/أبريل 2019 اعترف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب باحتلال إسرائيل للجولان. لقي قرار ترامب معارضة من المجتمع الدولي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل بريطانيا.
لم تتخل سورية أبدًا عن مطالبتها الإقليمية باستعادة مرتفعات الجولان وتبذل الحكومة السورية جهودًا قانونية ودبلوماسية كبيرة. وتقول سورية إن أي اتفاق سلام بين إسرائيل والعالم العربي يجب أن يشمل إعادة مرتفعات الجولان إلى سورية. وافقت إسرائيل على اتفاق سلام مع سورية بشرط سلام دائم. في محادثات 1999 و 2000 حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك رسمياً أن “بلاده ليس لديها مشكلة في مثل هذه الصفقة”.
في عام 2003 ، أعلن الرئيس بشار الأسد عن استعداده لإجراء محادثات سلام مع إسرائيل. لم تؤت هذه المحادثات ثمارها. لأن سورية تريد أن تعود إسرائيل إلى حدود عام 1967. في عام 2008 قبل أن يصبح بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء بدأت المحادثات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل بوساطة تركيا. لكن الاستقالة المفاجئة لإيهود أولمرت ، رئيس الوزراء في ذلك الوقت بسبب قضية الفساد تسببت في التخلي عن تلك المفاوضات التي لم تنته بعد. منذ عام 2009 وبعد بداية رئاسة الوزراء بنيامين نتنياهو وصعود اليمين المتطرف فقدت سورية الأمل في إمكانية إجراء أي محادثات سلام مع إسرائيل. حاول باراك أوباما إقامة محادثات سلام بين إسرائيل وسورية. ولكن مع بداية الربيع العربي والحرب الأهلية السورية في عام 2011 ، ضاع عمليا إمكانية إجراء أي حوار جديد. في عام 2013 وصلت نزاعات الحرب الأهلية السورية إلى حدود مرتفعات الجولان. في 2018 بعد أن سيطرت الحكومة المركزية السورية على جزء كبير من المناطق الحدودية في مرتفعات الجولان وأعادت فتح حدودها مرة أخرى بإشراف الأمم المتحدة كما كانت قبل الحرب. في عام 2019 بعد اعتراف الولايات المتحدة باحتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان تضاءل الأمل في السلام أكثر من أي وقت مضى.
مع اندلاع الأزمة السورية أصبحت منطقة الجولان مرتعًا خصبًا للإرهابيين التكفيريين بمساعدة الصهاينة ، وفتحت الحدود بينهم مع الأراضي المحتلة وأرسل النظام الصهيوني العديد من الأسلحة والتسهيلات لتجهيز الإرهابيون التكفيريون من جماعة “جبهة النصرة” (تحرير الشام الحالية)، خلال احتلال التكفيريين لمحافظتي “القنيطرة” و “درعا” في جنوب وجنوب غرب سورية من قبل التكفيريين، تم إرسال الإرهابيين الجرحى إلى الأراضي المحتلة عبر الجولان للعلاج، وبعد شفائهم عادوا إلى سورية ليشاركوا في الحرب وقتل المسلمين.
دور إيران و دعمها للجولان
في الأيام التي أعقبت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني أصدر المسؤولون الإسرائيليون تحذيرات متكررة بشأن مهاجمة سورية وتدمير القواعد العسكرية الإيرانية على الأراضي السورية. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن 20 صاروخا أطلقها فيلق القدس الجناح العسكري للحرس الثوري في سورية باتجاه الأراضي الإسرائيلية في هضبة الجولان. وادعى أن اسرائيل ردات على ذلك و دمرت تقريباً كل البنية التحتية الإيرانية في سورية و وصف رد فعل إسرائيل بأنه من أكبر عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في العقد الماضي. لكن عندما استقرت وهدأت الأوضاع بدأنا نسمع روايات أخرى .
وأظهرت إعادة الكشف عن تفاصيل العدوان أن إسرائيل استهدفت أهدافًا عسكرية سورية في مناطق مدنية. أطلق الجيش السوري 55 صاروخا على مواقع عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان. وفقًا للمسؤولين الروس فإن القبة الحديدية لإسرائيل كدرع دفاع صاروخي لهذا البلد لم تتمكن من إسقاط قسم كبير من هذه الصواريخ.
في النهاية أدركت إسرائيل أن بدء أي حرب سيؤدي إلى وصول نتائجها إلى مناطقها الأمنة. ومن الواضح أن هذه ليست نتيجة جيدة لإسرائيل، لأنها خططت لإنشاء منطقة حدودية على طول حدودها مع سورية، لكن هذه الجهود باءت بالفشل منذ انتصارات الجيش السوري ضد المسلحين. من أجل تحقيق أهدافها دعمت إسرائيل الجماعات المسلحة وبعض الجماعات المتطرفة هناك، ولذلك فقد تمكنوا من تحقيق بعض أهدافهم في سورية. وهذا ما أرادته إسرائيل أن ترى سورية مجزأة وضعيفة لأنها بهذه الطريقة تستطيع السيطرة على دولة عربية حليفة لإيران.
في كانون الأول / ديسمبر تحررت آخر قاعدة لداعش في سورية وأصبحت بيد الجيش السوري بمساعدة حزب الله وإيران. وقد كانت منطقة تعد بمثابة حاجز بين لبنان وإسرائيل وبالقرب من حدود مرتفعات الجولان. وأذهلت هذه الهزيمة إسرائيل وزادت من وصول حزب الله وإيران إلى نقطة استراتيجية في مرتفعات الجولان. تسببت هذه التطورات في زيادة مشاكل إسرائيل خاصة مع إنشاء مناطق خالية من الصراع تسيطر عليها الولايات المتحدة وروسيا والأردن.
نفذت إسرائيل في 9 أبريل / نيسان هجوماً غير متوقع على مواقع إيرانية في سورية أسفر عن استشهاد 7 من عناصر الحرس الثوري الإسلامي بينهم قائد. كانت هذه واحدة من 100 هجوم نظمتها إسرائيل منذ 2013 لكن الفارق في هذا الهجوم هو أن الإسرائيليين وصفوه بأنه هجوم على محور المقاومة. كان للاعتراف بمثل هذا الشيء عواقب أيضًا. فبعد أربعة أيام قال السيد حسن نصر الله في خطابه: “على إسرائيل أن تدرك أن خطأ تاريخي قد وقع”. لم يكن هذا خطأ عاديا هذا حادث سيغير الوضع في المنطقة وما سيحدث بعد ذلك سيكون مختلفا عما كان عليه من قبل “.
هذه المرة خاطرت إسرائيل مخاطرة كبيرة. وكما قال خبراء في الشرق الأوسط: “أي هجوم آخر من جانب إسرائيل سيدفع الصراع باتجاه مرتفعات الجولان”. اسرائيل لا تتوقع مثل هذا الشيء كما إنها تعتقد خطأ بأن الأسد متورط في مناطق أخرى ولن يكون لديه وقت للرد “.
دور الحاج قاسم سليماني في الجولان
قال آيزنكوت لـ “معاريو”: “بالإضافة إلى قتل المئات من داعش خلال عمليات سرية قرر الجيش الإسرائيلي قتل الحاج قاسم سليماني ردًا على إطلاق الصواريخ الإيرانية باتجاه مرتفعات الجولان”.
نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مقتطفًا من مقابلتها التفصيلية مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي إيزنكوت. في هذه المقابلة روى آيسنكوت بعض ذكرياته ، عندما علمت المستويات السياسية في تل أبيب بما يقوم به الجيش الإسرائيلي في هذا المجال لدرجة أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق، عندما سمع هذه الأشياء من رئيس الأركان حول ما يقوم به الجيش الإسرائيلي على الصعيد الإيراني تفاجأ وشجعها بشدة وأوضح آيزنكوت أنه بحسب رئيسي وزراء إسرائيل السابقين إيهود باراك ونتنياهو ، فإن مسألة مهاجمة إيران بالإضافة إلى توفير القوة اللازمة، تتطلب غطاء من الشرعية العالمية. وأشار إلى أن “مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم منفردة ودون سابق إنذار، وهذه القضية لها انعكاسات عميقة والخطاب القائم حول هذه القضية لا يحمل الجدية اللازمة”.
وقال رئيس الأركان العامة السابق للقوات المسلحة حول انسحاب الأمريكيين من خطة العمل الشاملة المشتركة: “هذا خطأ استراتيجي جعل إيران تحرر نفسها من بعض القيود”. ولأن العقوبات كانت جزئية فقد سمح ذلك للروس والصينيين بمواصلة التعاون مع إيران.
كما أشار آيزنكوت إلى دور الولايات المتحدة وثقلها في منع تقدم إيران في محاولة صنع قنبلة ذرية ، وأضاف أن إيران لاتعطي أي مصداقية للولايات المتحدة حاليًا لأنها واثقة من أن الولايات المتحدة لن تلجأ أبدًا إلى الخيار العسكري ضد الطموحات النووية الإيرانية وبالتالي فهي تستغل هذا الوضع إلى أقصى حد لمصلحتها الخاصة.
وحول قاسم سليماني قال آيزنكوت: “إسرائيل قررت قتله قبل نحو عام ونصف بعد أن أطلقت إيران صواريخ باتجاه مرتفعات الجولان. لكن سليماني نجا من عملية “بيت الورق” العسكرية. ردًا على هذه الصواريخ قررنا استهداف كل من يعمل ضدنا بغض النظر عن رتبته العسكرية. وفي هذا الصدد، راقبنا سليماني لكنه لم يدخل مجال راداراتنا في ذلك اليوم، وهذا ما أنقذه من القتل على أيدينا، لكن في يناير 2020 طارده الأمريكيون. وبحسب آيزنكوت قتل الجيش الإسرائيلي أيضًا المئات من مقاتلي داعش في عملياته السرية”.
فاطمة مرادي
2
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال