اقدم اعتذاري للشهيد الحاج سليماني لأني مهما تكلمت عن أبعاده المعنوية فلن أبلغ شأوها ، ولذا فإن ما أتحدث به هو عبارة عن إشارات وشذرات من ذلك المحيط المعنوي الذي وسعه قلب الشهيد سليماني .
لقد كان الحاج قاسم سليماني ذلك الإنسان الذي لم ينشغل في حواشي هذه الدنيا ، ودخل إلى قلب الحياة ليعالج اوجاعها باقواله وأفعاله.
لقد كان مع جلده وصبره وقوته في مقارعة الأعداء؛ كان في نفس الوقت لطيفا ورقيقا حتى لقد شاهدناه وهو في مجلس عزاء الشهيد احمد كاظمي كان يجلس الحاج سليماني الى جانب الدكتور قاليباف ، وهو منقلب الحال لأنه فقد رفيق دربه حيث سبقه إلى الشهادة ، وكان الحاج سليماني بريئا وعفويا وامتلأ وجوده بالعاطفة الصادقة ومال في جلسته إلى كتف قاليباف وهو يبكي كالطفل الوديع .
لقد كان القائد سليماني رغم منصبه الكبير والخطير ، إلا أنه كان لا يلتفت إلى الدنيا ،ويتطلع إلى الشهادة ويتحرق اليها شوقا لاسيما وانه رأى رفاق دربه يتساقطون ويرحلون عن الدنيا إلى المحل الارفع ، وفي مرة نقل السيد القائد عن أحد القادة الابطال وقد رأى صديقه الشهيد ، وقال له في المنام : نحن كنا اخوة واصدقاء وقاتلنا معا في جبهات الجهاد فأخبرني ماهو السر في نيلكم وسام الشهادة ، فقال له : البكاء البكاء .
نعم انه ( البكاء ) الذي يعكس لطافة ورقة القلب ، قد لاحظناه عند الشهيد سليماني ، فهو عندما يذكر النبي وأهل بيته عليهم السلام تسيل دمعته ، وعندما يذكر الشهداء تسح دمعته ، وكأنها اللؤلؤ القلق ،وعندما يصلي في الأرض العراء ببدلته المتربة بتراب الجهاد يصلي بخشوع وخضوع ويرفع يديه إلى الله تعالى بمناجاته مصبوغة بالبكاء الذي جبلت عليه نفسه ، وكان عندما يرخي الليل سدوله يتهجد إلى الله تعالى بنافلته .
نعم لقد كان الشهيد الحاج قاسم سليماني قائدا عابدا .
لما كان الحاج قاسم سليماني في مأموريته الأخيرة ذهب إلى لبنان والتقى بالسيد نصر الله ، وسأله السيد نصر الله هل هناك شيء جديد ،فقال له الشهيد سليماني : لا شيء ، جئت فقط لزيارتكم والسلام عليكم . لم يعلم السيد نصر الله أن هذه الزيارة للحاج سليماني ستكون الاخيرة ، وان القدر كان يخفي كلماته ، فقد ابى القدر ان يذهب سليماني شهيدا دون ان يودع سيد المقاومة نصر الله ، وكأنه يقول بقلمه غير المرئي أنتم صناع النصر من بعدنا وجئنا لنودعكم.
لقد كتب الشهيد الحاج سليماني قبل ساعات من استشهاده هذه الكلمات التي تفوح منها رائحة العبودية فقد كتب :
(الحمد لله رب العالمين ، الهي اقبلني في الطاهرين ، انني احب لقاءك ذلك اللقاء الذي خر له موسى صعقا وانقطعت فيه انفاسه).
يالها من كلمات قالها هذا الشهيد القائد ، وهو يسير على درب امير المؤمنين عليه السلام الذي كان يقول ( والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه ) .
لقد صدق علي عليه السلام في أنسه بالموت ؛فعندما ضربه ابن ملجم صاح : ( فزت ورب الكعبة ) .
لقد كانت شهادة الشهيد الحاج سليماني شبيهة بتلك الشهادة التي وردت على لسان أصحاب الحسين عليه السلام في صمودهم وولائهم حيث قال أحدهم للحسين ( والله لو علمت اني أقتل ثم أحيا ثم احرق ثم أحيا ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة مافارقتك حتى القى حمامي دونك ).
نعم لقد استشهد وقطعت اوصاله كما يقتل الشهداء واحترق جسده الطاهر ، وعلى حد توصيف السيد القائد الخامنئي ( اصبح الشهيد سليماني سماويا).
د. محمد العبادي
0