هناك رجال أتوا عبر التاريخ وسيأتي مثلهم بحيث تُروَى أفعالهم وسلوكهم وكذلك أفكارهم ومواقفهم مجدداً، لكن من النادر أن نجد بينهم قائدًا متميزًا واستثنائياً غير عادي يمكن أن يظل خالداً في أفكار الأجيال القادمة.أستطيع أن أقول إن الشهيد الحاج قاسم سليماني كرس حياته كلها لموضوع معين واحد ألا وهو “مقاومة الظلم والغطرسة ودعم المظلومين في كل انحاء العالم”. من البديهي أن اسم شخصٍ سلك مثل هذا الطريق والأسلوب في حياته سيبقى ثابتًا وخالداً في روح ونفس وعقل الكثير من الأجيال. أشعر أن هذا القائد (رحمه الله وجعل الجنة مأواه) أصبح خالدًا في أفكارنا وعقولنا وأبناء المقاومة وشعب سورية ولبنان والعراق وإيران – حتى يوم القيامة على الأقل – لأنه وقف إلى جانب المظلومين الذين عانوا من ظلم الظالمين والمتغطرسين.ستبقى أعماله خالدة ليس فقط لإنها كما تظهر في شكلها التي نرى القائد فيه بجوار جنوده ولكن أيضًا للطريقة التي يتعامل بها مع جنوده. كيف تعامل مثل هذا القائد مع القوات التي كانت تحت إمرته؟ لقد كان يعاملهم كأخوة له بكل كرامة وشرف فالأخ يدرك أخاه سواء وافقه أو اختلف معه.مثل هذا القائد لم يحارب الإرهاب فقط. ولم يكتف بالتعامل مع الأشخاص المنحرفين عن طريق الحق والحقيقة بعدم مقابلتهم بل كان يسعى جاهدا أن يصلح ويرشد هؤلاء الذين انحرفوا عن طريق الصواب، وبقدر ما يستطيع أن يعيدهم الى طريق الحق.كان ملتزماً بالقانون الإلهي أي إقامة العدل بين الناسلقد كان ملتزماً بالقانون الإلهي وهو إقامة العدل بين الناس وعلى هذا الأساس أظهر لهم المحبة والمودة. مثل هذه الشخصية العظيمة عندما كان يحارب الإرهاب لم يظهر كبطل عسكري فقط بل كواحد من القادة العبقريين الاستثنائيين الذين واجهوا الإرهاب والذين يعتقدون أن الإرهاب سيؤدي إلى إضعاف الإنسانية والعالم الإسلامي وتدميره. وعليه كان في ساحة المعركة كما كان في زمان السلم والمصالحة. لو رأيته في ساحات البوكمال ودير الزور لوجدته رائدًا وقائدًا في ساحة المعركة لأن كل أمة تحقق النصر بانتصار قادتها وهذا النصر لا يتحقق إلا إذا كان القادة هم بمقدمة أمتهم وشعبهم.لم ينظر إلى الإرهاب على أنه قضية تخص دولة معينةالنقطة الثانية أنه لم ينظر إلى الإرهاب على أنه قضية تخص دولة معينة بل نظر إلى الإرهاب على أنه قضية عامة في العالم وكان يعتقد أن التيارات الإرهابية تسير جنبًا إلى جنب وتقوي بعضها البعض.وعليه أكد إنه لابد من إضعافهم في الجبهات الأخرى أيضًا. لهذا السبب شاهدنا أن هذا القائد البطل يتنقل بين ساحات القتال للتعامل مع الإرهاب أينما وجد. على سبيل المثال وجدناه في السودان وغزة ولبنان والعراق كما وجدناه في اليمن وهكذا كان يحارب الظلم والاستبداد والارهاب بشتى أنواعه المختلفة في كل مكان.لقد أصبح مثالاً يحتذى بهنحن نفتخر بقاسم سليماني ليس لأنه استشهد (لأن هذه نتيجة معروفة والذين يقتلون في سبيل الله هم أحياء وعلى قيد الحياة) ولكننا نفتخر به لأنه أصبح نموذجًا ومثالًا يحتذى به. أولاً هو نموذج يحتذى به في مجال مكافحة الإرهاب وثانيًا للطريقة والمعاملة التي اتبعها القائد بين جنوده. وعلى هذا الاساس تذكرت هذه الآية من القرآن الكريم التي تقول: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»كان يتواجد وسط جنوده في حالات الفداء والتضحية ويقدم نفسه أمامهم كما إنه يفضلهم على نفسه عندما كانوا يحتاجون لأي شيء، هكذا يجب أن يتمتع القائد الحقيقي بهذه الصفات. يجب أن يكون متقدمًا على الآخرين في تضحيته، وفي الحالات التي كانت تحتاجه قواته فيها كان يتقدم على أصدقاءه ويفضل جنوده على نفسه، بهذه الخصال انتصرنا في كل المعارك.لم يكن الشهيد سليماني ليدخل في أي معركة إلا إذا درس الواقع الجغرافي للمنطقة جيداً وبعدها كان يخطط لكيفية دخول ساحة العمليات وكيفية مغادرتها. يذكرنا هذا الأمر بإنسان صبور وحكيم لا يقود ساحة المعركة بـ “الشجاعة” وحدها بل يدخل ميدان المعركة ويقودها بخطط استراتيجية، وفي نفس الوقت يتحلى بالصبر والشجاعة والتحمل.ولهذا السبب استطاع أن ينتصر على الإرهاب ولذا قرر الغرب التخلص منه. وهذا الامر يبعث فينا الفخر أنه استشهد حتى نقتدي به. رحم الله الحاج الشهيد قاسم سليماني.تفسيراتُ حضور الحاج قاسم لمواجهة الإرهاب في سوريةأحيانا يسألون لماذا كان من الضروري أن يكون الحاج قاسم موجودا في سورية لمحاربة الإرهاب و يستنفر كل محور المقاومة لمحاربة الإرهاب بكل قوته؟ في رأيي سورية ليست منفصلة عن إيران؛ لأننا جميعًا أبناء الثقافة والتراث نفسه. أنا لا أنظر إلى العراق بمعزل عن سورية والعراق وسورية بمعزل عن إيران ، لأن لدينا تاريخاً مشتركاً. يجب أن نضع أمام أنفسنا الهدف نفسه وهو محاربة الظلم في جميع أنحاء العالم ؛ والتعامل مع الغطرسة العالمية حيثما وجدت.لهذا السبب يتطلب وجودنا أن نكون أحرارًا. لا يمكننا أن نكون رجالًا أحرارًا ما لم نتعاون مع بعضنا البعض. وعليه فإن هذه الجبهة الممتدة من طهران إلى بيروت هي جبهة مقاومة ضد الاستكبار والظلم والعنف والعبودية والاستعمار الحديث والإمبريالية الأمريكية التي تظهر اليوم في شكل ضغوط واسعة النطاق وضد الصهيونية العالمية التي تريد أن تبلع العالم.وأنا كذلك اعتقد أن المفكرين والنخب يجب أن يجعلوا مهمتهم الدائمة هي نزع القناع عن وجه الاستعمار الجديد ، لأن هذا الاستعمار يريد أن تكون دول المنطقة مضطهدة ومذلة وأن تكون فقيرة ومتخلفة. لا يريد الاستعمار أن تستفيد الدول من التكنولوجيا وهو يقف ضد تطورها. لذلك فإن من يمنعنا من الحصول على التكنولوجيا وتطوير الأسلحة هو عدونا، لأنه يريدنا أن نبقى في تخلف ويستغل كل ما لدينا بدون أن نستفيد من ثروات وخيرات أرضنا.لذلك فإن الحقائق الموجودة تتطلب أن نكون مع بعضنا البعض وأن نكون معًا على نفس الجبهة وهي “مقاومة الغطرسة العالمية”. كما سماها الإمام الخميني (قدس الله سره) بنفس هذا العنوان لأن هذا هو الأمر الذي نتحدث عنه دائما.لكن هؤلاء الأشخاص المضللين والفاسدين الذين لا يريدون رؤية الواقع، ينظرون دائمًا إلى الأمور بشكل عبثي. لكن عندما قرأت رسالة الشهيد الحاج قاسم سليماني لعائلة في البوكمال وقمت بتحليلها وجدت أنه لا ينظر إلى تلك العائلة على أنها ممن يختلف معه بل على أنها تنتمي إلى الإنسانية الضعيفة. أولئك الذين ينبغي إرشادهم إلى الطريق الصحيح.لهذا السبب أشعر أن هذا القائد لا ينظر إلى خصمه على أنه عدو بل ينظر إليه على أنه إنسان مثله. وبناءً على ذلك أعتقد أن ثقافتنا المشتركة جمعتنا معًا. كما جاء في القرآن: «انَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ». لكن يبقى الإنسان إنسانًا قبل أن يتفق أو يختلف معك في الدين. ويقسم الناس إلى مجموعتين إما أنهم إخوانك في الدين أو هم من نفس دينك.الشهيد قاسم سليماني الذي يتمتع بمثل هذه الموقف النبيلة الناشئة من الثقافة الممتدة بداخله ومشاعره النقية، يعتقد أن مهمة السوري هي نفس مهمة الإيراني ومهمة الإيراني والسوري هي نفسها مهمة العراقي ومهمة الايراني والسوري والعراقي هي مثل مهمة اللبناني وهي في الحقيقة مهمة كل المظلومين في العالم. نتيجة لذلك، يجب أن تكون لدينا جبهة مقاومة مشتركة ونعمل جميعًا مع بعضنا لتحرير أنفسنا من قيود الاستعمار والاستبداد.جزاكم الله خيرًا.
الدكتور حسين جمعةأستاذ جامعي و رئيس اتحاد كتاب العرب في سورية
0
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال