لقد كان الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس سائرًا على النهج المحمدي لا يحيد عنه حتى في أحلك الأوقات فكانت من أبرز صفاته الصبر وسعة الصدر في التعامل مع الناس والمراجعين إليه، وكان حسن الخلق وضبط النفس عاملًا من عوامل نجاحه كقائد محبوب بين عناصره والناس، إذ أن التّفوق على العدو الداخلي في الجهاد الأكبر هو الذي يُهوّن الجهاد الأصغر ويُسهل الغلبة على العدو الخارجي.
يروي مرافقه المصوّر “أبو بهاء البهادلي” في كتاب جمال الشهداء، العديد من المواقف التي حصلت مع أبي مهدي المهندس والتي سجّلها بعدسة كاميرته. فكان أبو مهدي ممن يفد إليه الجميع لاستشاراته أو طلب مساعدته في حاجاتهم، من عناصر، أو أناس عاديين، أو علماء دين أو غيرهم، وكان – وبغضّ النظر عن سمته ومنصبه – يستمع إلى الجميع بصبر ويُساعدهم، ويُرشدهم ويُوجههم في حلّ مشاكلهم، على الرغم من أن انشغاله مع البعض، لكثر أعماله والضغط الموجود عليه، قد يُعدّ مضيعة للوقت وقد يعتذر الكثيرون أمثاله عن مثل هذه اللقاءات، إلا أن أبا مهدي كان يعتبر مساعدة خلق الله وخدمتهم واجب.
وإن المهندس الذي يشهد الجميع له بسعة صدره وهدوءه في الحوار كان يغضب عند تجاوز حدود الشرع في الجبهة من انتهاك الحقوق واللامبالاة بحرمة الدم. فكان يعتبر أن القيادة ليست لفظ أو صفة يحملها شخص ما ليُعرّف بها عن نفسه أمام الناس، بل تعني تحمّل الأخطاء التي تحدث وأهمها الدماء.
فعندما راجعه أحد الشباب المتسرعين يُعرّف عن نفسه على أنه قائد وقد تفرّد في اتخاذ قرار إرسال مجموعة للقتال مما أسفر عن شهادة العديد منهم ودخول القسم آخر منهم في عداد مجهولي المصير، معتبرًا نفسه أنه رجل دين يعرف تكليفه، لم يبقى الحاج أبو مهدي ذاك الشخص الهادئس، بل احمرّ وجهه غضبًا ووبخه على ما فعل، وقال له أنه وعلى الرغم من حصوله على إجازة من أربعة علماء لقيادة العمليات لكنه يرتجف من خوف يوم الحساب لاستشهاد كل شهيد، فكيف يمكن لشخص أن يتسبب بشهادة ثلة من دون تخويل عسكري أو شرعي؟!
وفي تتمة هذه الحادثة، وشعورًا منه بالمسؤولية على دماء الشهداء، أمر بإفراغ ذلك القاطع وإلحاق من يريد القتال بالحشد الشعبي حتى يكون العمل ممنهج مسؤول، وبالنسبة لأولئك الشهداء أمرَ بمتابعة ملفهم لإصدار الحقوق لهم.
وفي موقف آخر شهد له بالتزامه بالأخلاق المحمدية، والشرع الإسلامي، بالحفاظ على حرمة الميت ولو كان داعشيًا، فعندما رأى أحد العناصر قد ربط جثة داعشي يجرّها لإهانتها، لم يتوانى أبدًا وهرع إليه على الفور ينهاه وينهره عما يفعل، وأمره بدفنها على الفور، متمسكًا بقول الرسول: “إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور” فهو، وإن كان قد رأى عن قرب ماذا فعل الدواعش وما ارتكبوه من جرائم بحق الإسلام والناس والشعب، لكنه لم يسمح لنفسه أن يشهد حتى على انتهاك وارتكاب محرم يقع باسم الحشد الشعبي ومن قبل أحد أفراده. فهو يعتبر أن الحشد الشعبي يُمثّل خط الإسلام المحمدي الأصيل، لا المزيف، فمن يتحدث باسم محمد ويقتل الأبرياء ليسوا مسلمين، وسبب تواجدهم في الجبهات هو للدفاع عن المظلومين.[1]
ومثل هذه المواقف كثيرة، سُجّلت لكي يشهد التاريخ أن الحرب على الرغم من بشاعتها وما تحويه من ألم فقد وعذابات وشراسة، لكن قد يكون فيها أمثال أبي مهدي المهندس، قائد يصنع في هذه الساحات مشاهد لتجلّي الأخلاق السامية الإسلامية.
مريم صفي الدين
[1] منقول من كتاب جمال الشهداء بتصرف.
0
يروي مرافقه المصوّر “أبو بهاء البهادلي” في كتاب جمال الشهداء، العديد من المواقف التي حصلت مع أبي مهدي المهندس والتي سجّلها بعدسة كاميرته. فكان أبو مهدي ممن يفد إليه الجميع لاستشاراته أو طلب مساعدته في حاجاتهم، من عناصر، أو أناس عاديين، أو علماء دين أو غيرهم، وكان – وبغضّ النظر عن سمته ومنصبه – يستمع إلى الجميع بصبر ويُساعدهم، ويُرشدهم ويُوجههم في حلّ مشاكلهم، على الرغم من أن انشغاله مع البعض، لكثر أعماله والضغط الموجود عليه، قد يُعدّ مضيعة للوقت وقد يعتذر الكثيرون أمثاله عن مثل هذه اللقاءات، إلا أن أبا مهدي كان يعتبر مساعدة خلق الله وخدمتهم واجب.
وإن المهندس الذي يشهد الجميع له بسعة صدره وهدوءه في الحوار كان يغضب عند تجاوز حدود الشرع في الجبهة من انتهاك الحقوق واللامبالاة بحرمة الدم. فكان يعتبر أن القيادة ليست لفظ أو صفة يحملها شخص ما ليُعرّف بها عن نفسه أمام الناس، بل تعني تحمّل الأخطاء التي تحدث وأهمها الدماء.
فعندما راجعه أحد الشباب المتسرعين يُعرّف عن نفسه على أنه قائد وقد تفرّد في اتخاذ قرار إرسال مجموعة للقتال مما أسفر عن شهادة العديد منهم ودخول القسم آخر منهم في عداد مجهولي المصير، معتبرًا نفسه أنه رجل دين يعرف تكليفه، لم يبقى الحاج أبو مهدي ذاك الشخص الهادئس، بل احمرّ وجهه غضبًا ووبخه على ما فعل، وقال له أنه وعلى الرغم من حصوله على إجازة من أربعة علماء لقيادة العمليات لكنه يرتجف من خوف يوم الحساب لاستشهاد كل شهيد، فكيف يمكن لشخص أن يتسبب بشهادة ثلة من دون تخويل عسكري أو شرعي؟!
وفي تتمة هذه الحادثة، وشعورًا منه بالمسؤولية على دماء الشهداء، أمر بإفراغ ذلك القاطع وإلحاق من يريد القتال بالحشد الشعبي حتى يكون العمل ممنهج مسؤول، وبالنسبة لأولئك الشهداء أمرَ بمتابعة ملفهم لإصدار الحقوق لهم.
وفي موقف آخر شهد له بالتزامه بالأخلاق المحمدية، والشرع الإسلامي، بالحفاظ على حرمة الميت ولو كان داعشيًا، فعندما رأى أحد العناصر قد ربط جثة داعشي يجرّها لإهانتها، لم يتوانى أبدًا وهرع إليه على الفور ينهاه وينهره عما يفعل، وأمره بدفنها على الفور، متمسكًا بقول الرسول: “إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور” فهو، وإن كان قد رأى عن قرب ماذا فعل الدواعش وما ارتكبوه من جرائم بحق الإسلام والناس والشعب، لكنه لم يسمح لنفسه أن يشهد حتى على انتهاك وارتكاب محرم يقع باسم الحشد الشعبي ومن قبل أحد أفراده. فهو يعتبر أن الحشد الشعبي يُمثّل خط الإسلام المحمدي الأصيل، لا المزيف، فمن يتحدث باسم محمد ويقتل الأبرياء ليسوا مسلمين، وسبب تواجدهم في الجبهات هو للدفاع عن المظلومين.[1]
ومثل هذه المواقف كثيرة، سُجّلت لكي يشهد التاريخ أن الحرب على الرغم من بشاعتها وما تحويه من ألم فقد وعذابات وشراسة، لكن قد يكون فيها أمثال أبي مهدي المهندس، قائد يصنع في هذه الساحات مشاهد لتجلّي الأخلاق السامية الإسلامية.
مريم صفي الدين
[1] منقول من كتاب جمال الشهداء بتصرف.
0
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال